"فرج الهويدي" ثوري الطبع ، آوانا و أمَّنَنا من شرور أنفسنا
"فرج الهويدي" ثوري الطبع ، آوانا و أمَّنَنا من شرور أنفسنا
في السنوات الممتدة بين أواخر القرن الماضي و مطلع هذا القرن، كنت أعمل مديرا لقسم الكهرباء في المعهد العالي للتعليم المهني في ليبيا. كان المعهد على أطراف مدينة مُحافِظة بسبب وجود مرقد “سيدي عبدالسلام الاسمري” رحمه الله، و الذي يعتبر من أهم المراقد في مناطق المغرب العربي، و كانوا ينسبون اصله الى النَبي محمد “صلى الله عليه و سلم”.
المدينة كانت تسمى “زليتن”.
المدينة جمعتني بمجموعة كبيرة من المغتربين من العراق و سوريا و قليل من مصر و فلسطين و شخص واحد من الاردن. كنت متآلفاً جدا مع الجميع و كانت علاقاتي ممتدة ايضاً الى خارج محيط المعهد و محيط المدينة، و أقصد بذلك أهل البلد اللليبيين و كذلك مغتربين يعملون في مجالات أخرى.
كانت الموائد المشتركة كثيراً ما تجمعنا و تخفف عنا محنة الاغتراب و خصوصا على الذين كانوا موجودين من غير عوائلهم. حين استذكر تلك الايام لا يمكن أن أنكر جمال حظي الذي جمعني بعدد كبير من أناس لطفاء الذين لا زلت احتفظ بعلاقتي مع عدد منهم، عسى أن يكونوا جميعا بخير.
المعهد قد أمَنَ العمل لما يقارب من أربعون مغترباً من الدول المنكوبة اقتصادياً، ليكون بصيص أمل لهم و لعوائلهم في العيش الرغيد و تجنيبهم محنة العيش القاسي في بلدانهم “ الحصار الاقتصادي في العراق مثلاً.
و لكن، شاء القدر أن لا يأتلف بعض العراقيين مع البقية، و أن يستمر الامر و يتطور لاحقاً الى محاولات جدية لقطع أرزاق بعضهم البعض “ طبعاً هذه فئة قليلة كانت”.
و بدأت التقارير تكتب هنا و هناك من قبل تلك الفئة و ترفع الى مكتب مدير المعهد السيد “فرج الهويدي” ، كانت التقارير محاولات حقيقية لكسر الرقبة بالاضافة الى قطع أرزاقهم. مواضيع التقارير بمجملها كانت مضحكة مبكية، على سبيل المثال :
⁃
فُلان كردي القومية و يعمل ضمن حزب معارض “ طبعاً الاحزاب كانت ممنوعة في ليبيا بحكم القانون”
⁃
فُلان من عبدة الأحجار “ و القصد هنا على الشيعة و على التربة”
⁃
فُلان يحمل شهادة غير موثقة.
⁃
فُلان يعمل مع جهات أجنبية
.
و بمجرد النظر و التدقيق في التقارير تكتشف أنها تقارير مظللة و كيدية يخفي اصحابها من ورائها اهداف أُخرى .
و حين كثرت التقارير، كان للسيد “فرج الهويدي” أن يتخذ موقفاً، قبل أن ينفجر الوضع و ينتقل الوضع من كتابة التقارير الى مواجهة غير حميدة.
“فرج الهويدي” كان ثوري الطبع، بغض النظر عن انتماءه السياسي و فكره السياسي أو معتقده الفكري. كان ينتمي لقبيلة كبيرة مما ساعد في أِكتمال طبعه الثوري الذي يجعل منه أن ينال دائماً ما يريد.
فرج الهويدي رحمه الله “ عرفت مؤخرا انه قد توفى”، قد أِطلع شخصيا و بعمق على التقارير و استطاع أن يخرج بقرار اقل ما يقال عنه “ قرار حكيم و شهم”، فقد اكتشف بسهولة أن هذه تقارير كيدية تحمل بداخلها اهداف شخصية و أن المضي بتصديقها قد تؤدي لكسر رِقاب البعض الذين هم بريئون عما كتبت أو ذكرت في التقارير ، فكان قراره مذهلاً.
فقد قرر أن يتحدث معنا و فعلا أبلغنا بما يجري بحرقة، و قال لنا أن نكف عن ذلك و أنه سوف يتلف هذه التقارير و سوف لن يستلم من اليوم من اي أحد تقارير مشابهة ، و بعد التأنيب نصحنا أن نتآلف و نكف أذيتنا عن بعضنا البعض.
“ فرج الهويدي” حمانا و أمننا من شرور أنفسنا، و أبقت البسمة مرسومة على وجوه العوائل الكريمة التي هاجرت كي تعيش لا غير.
ديسمبر 2017
تعليقات
إرسال تعليق