رياضة صباحية




رياضة صباحية نسخة قديمة




مثلما اعتدت عليه، استيقظتُ باكراً هذا اليوم.  
كانت نسمات الليلِ لا تزال تضرب ناعماً على شباك غرفتي، و لم تكن العصافيرُ قد بدأت الزقزقة الصباحية. 
خَرَجتُ الى الشارع ماراً بالباحةِ الامامية للمنزل المتهالك على تاريخه.

ها هو ذا الشارع يمتد كجثة هامدة امامي. 
كم من الاشخاص قد سجلوا تاريخاً و ذكرى هنا؟ كم منهم لا يزال هنا، هنا حيث اللا منتهى من الشقاء؟

فجرٌ شتويٌ اشبه بشتاء عمري الملئ بالعصيان. تملأ الشوارع اوراقٌ متاسقطة من التي قاومت الخريف الماضي و لكن استسلمت لرياح ليلة البارحة، تماماً كما شعر رأسي.

يومٌ اشبه ما يكون بيومِ انتقام الشتاء من كل من قاوم الخريف. 

أنا ايضاً قاومت الخريف الماضي و الذي قبله، و قبله، ،، و قبله ...... فجاءني اليوم حاملاً معه ذلك الاحساس الملعون الذي يشعرني بالضياع، لم أكن اعرف ما أنا فاعل و لِمَ؟ و الى أين المسير؟


اليوم هو فجر ما بعد ليلةٍ  تراقصت بذاكرتي كل لحظات الشقاء التي مررت بها ايام نزفي، و استسلَمَتْ فيها أحلامي لهجوم الارق. 

هذا الفجر كل الاشياء توحي بالمغيب، مع انه وقتٌ للشروق.


 لا اعلم ما الذي ايقضها هي ايضاً، و لكنها قد سبقتني برشفة. وجودها هناك في الشرفة المغلقة، تحت الاضواء المنعكسة من مصابيح الشارع، في هذا التوقيت، يوحي بان ليلتها لم تكن احسن من ليلتي، كانت تشرب قهوتها بشئ من القلق، و تضرب برؤوس اصابعها حافة طاولة الصنوبر، لا يكاد يصل الفنجان الـى شفتها حتى ترجعه الى الطاولة قبل ان ترتشف من قهوتها شيئاً. مرتبكة و خائفة  كعادتها من المواجهة، و لربما تكون خجلة من وجودي بحياتها.

 تزيح بنظرها عني و انا اغادر بصمت باحة الدار، ربما لانها تعلم اني سأرجع، و سأستحمل هذه الندبة ايضاً، أو لعل حضوري لديها لا يزيد حظاً عن حظوظ أحدب نوتردام.

 قذفت برجلي خارج الدار و بدأت مشواري الشبه يومي، و رويداً رويداً ابتعدت عن الدفء و وصلت قرب بيت العجوزة التي تملك كلباً  بحجم أسد في باحة منزلها، وسيبدأ بالنباح مثلما في كل مرةٍ اعبر بجوار مملكته، و يتهيأ لي انه سينجح في مرة من المرات من التغلب على السلسلة الحديدية التي تمسك برقبته، و سينهش بجلدي و لحمي كيفما يشاء، يا للحظة التي طالما إِنْتَظَرَهُ.

لا أعلم ما الذي دفعني الى أن التفت الى الخلف قبل أن يبدأ الكلب بتكشير انيابه علي، لأجدها تقف خارج البرندة و تراقبني، ربما لتستمتع برؤية تمزيق الكلب لجسدي في المرة التي سيحدث ذلك.

استدرت صوب الشارع الممتد بين بيت جدي القديم و بيت جدها، حيث اللقاء الاول و الخطيئة الاولى، لا يزال عبق هذا اللقاء يملأ أركان مخيلتي. ترتسم ابتسامة خجولة على محياي بمجرد المرورهنا، فالذكريات الجميلة تبقى جميلة حتى لو اختلفنا مع من جمعتنا بهم.

تابعت مسيرتي و استسلمت لشهوة الهروب، و خطت قدماي ما طاب لها من الشوارع و الارصفة، توقفت لبرهة و رفعت رأسي مجدداً لأجدها هناك حيث تركتها، جالسة في الشرفة توحي بشرب قهوتها و تضرب برؤوس اصابعها حافة طاولة الصنوبر،  أُهيمُ انا  بالخروج،  فتزيح بنظرها عني و انا اغادر بصمت باحة الدار، ربما لانها تعلم اني سأرجع،.......

........... وسيبدأ ينبح مثلما في كل مرةٍ اعبر بجوار مملكته........

............ ربما لتستمتع برؤية تمزيق الكلب لجسدي..........

............بيت جدي القديم و بيت جدها ..........

لأجدها هناك حيث تركتها.














تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

روايات

هل معك سكر؟

الصمت " نسخة غير منقحة"